المعادن والصناعة في موريتانيا: مرحلة جديدة من الانضباط والكفاءة / محمد افو

منذ انطلاقة برنامج “طموحي للوطن” الذي أعلنه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، برزت قناعة راسخة لدى دوائر صنع القرار بأن الثروات الوطنية لا يمكن أن تسهم في تحقيق التنمية ما لم تخضع لسياسات صارمة وتنظيم محكم.
وفي هذا الإطار، كان مجال التنقيب التقليدي ، أحد أهم المحاور التي حظيت بأولوية واضحة في رؤية فخامة رئيس الجمهورية ، لما له من أثر مباشر على الاقتصاد المحلي وعلى شريحة واسعة من المواطنين.
وقد تم تجسيد هذه الرؤية عبر خطوات تنفيذية مهمة، حيث بدأت الدولة في تأطير النشاط التقليدي وتنظيمه في أطر مؤسسية وقانونية واضحة. لكن التحول الأبرز بدأ في الفترة الأخيرة مع ما تشهده وزارة المعادن والصناعة من صرامة متصاعدة في ضبط القطاع وتطبيق القوانين دون تمييز.
فلم يعد التنقيب التقليدي، بما يحمله من فرص ومخاطر، نشاطًا يُترك لظروفه الخاصة أو يُدار بمنطق التجاوزات. فمنذ تسلم معالي وزير المعادن والصناعة السيد تيام تيجاني مهامه، دخل القطاع مرحلة جديدة تقوم على المساءلة والصرامة في احترام القانون. حيث أطلق القطاع عمليات تفتيش شاملة للرخص المعدنية، وتم وإخضاع النشاط لمراقبة ميدانية ، من خلال التنسيق بين الإدارات المركزية والهياكل الرقابية.
هذا التوجه لم يكن رد فعل عابر، بل يندرج في سياق مقاربة متكاملة تعتمدها حكومة معالي الوزير الأول المختار ولد اجاي تهدف لتمكين أجهزة الدولة من تسيير الثروات الطبيعية، وتحقيق الإنصاف في منح التراخيص، ومساءلة المخالفين دون تهاون. وهي مقاربة تجسد بوضوح ما جاء في خطاب معالي الوزير / تيام تيجاني أمام البرلمان، حين أكد أن قطاع المعادن لن يكون بعد اليوم منطقة رمادية خارجة عن القانون .
الصناعة من الفراغ التشريعي إلى التأسيس المؤسسي :
وإلى جانب ما تحقق في مجال التنقيب الأهلي ، شهد قطاع الصناعة بدوره قفزة نوعية في الأداء والتشريع. فقد تم لأول مرة منذ منتصف الثمانينات إصدار قانون جديد ينظم النشاط الصناعي في موريتانيا، في خطوة وضعت حدًا لفراغ تشريعي دام لأربعة عقود.
وهو من شأنه جعل قطاع الصناعة خاضعًا لقواعد واضحة وحديثة، تضمن سلامة المنتجات وتحمي المستثمرين والبيئة والمستهلكين على حد سواء.
وفي خطوة إصلاحية أخرى ، وجه معالي الوزير بإطلاق إحصاء شامل ودقيق لكافة الفاعلين في المجال الصناعي، وذلك من أجل إدخال هذا القطاع لأول مرة في تاريخ البلاد تحت مظلة الرقابة والمتابعة الرسمية.
وتمثل هذه الخطوة حجر الزاوية في رسم سياسة صناعية وطنية واقعية، قادرة على تحفيز الاستثمار الصناعي وضمان تكافؤ الفرص ومتابعة الأداء بشكل منتظم.
إن ما تشهده موريتانيا اليوم في قطاعي المعادن والصناعة لا يمكن فصله عن الإرادة السياسية الصارمة التي أعلنها فخامة رئيس الجمهورية، والتي تسعى إلى تحويل الموارد الطبيعية من نشاطات هامشية إلى أدوات فعالة في خدمة التنمية الشاملة. ومع تسارع وتيرة الضبط والتقنين، بات من الواضح أن المرحلة لم تعد تتسع للعشوائية أو الاستثناءات.
وإذا كان قطاع التنقيب الأهلي قد دخل طور التنظيم الجاد، فإن الصناعة الوطنية بدأت بدورها تخرج إلى دائرة الضوء، بفضل إجراءات إصلاحية دقيقة، تتأسس على القانون، وتستهدف العدالة في التسيير والفعالية في الأداء والصرامة في الرقابة والمتابعة .
وهكذا، تدخل موريتانيا مرحلة جديدة من إدارة ثرواتها، حيث لا مكان إلا لمن يحترم القانون ، ولا مستقبل إلا لمن يستثمر في إطار قواعد الشفافية والمسؤولية .